مقال: الرد على أحمد الغامدي و من وافقه في إباحة الاختلاط  | حكم اختلاط المرأة المسلمة

مقال: الرد على أحمد الغامدي و من وافقه في إباحة الاختلاط | حكم اختلاط المرأة المسلمة


قراءة منشورات في مدوّنة حكم اختلاط المرأة المسلمة ، الرد على أحمد الغامدي و من وافقه في إباحة الاختلاط : إن الاختلاط لو كان فكرة جديدة لانخدع بها كثير منا كما انخدع بها غيرنا من دول العالم شأن كل فكرة جديدة أو مشروع حديث و مع ذلك لم تكن له تلك المخرجات من التقدم و الرقي التي بشّرنا بها دعاته، بل على العكس من ذلك تماماً إذ كانت مخرجاته عقيمة، و نتائجه مريرة، و عواقبه وخيمة على مستوى الفرد و الأسرة و المجتمع. ..

الرد على أحمد الغامدي و من وافقه في إباحة الاختلاط :

.
الدليل الثالث عشر: قال الغامدي: (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال: (والله إنكن لأحب الناس إلي).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وقوله: (لأحب الناس إلي) يعني بذلك الأنصار، وقد بوب عليه البخاري - رحمه الله - بقوله: «باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس»، قال الحافظ ابن حجر: أي لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به، كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس. وأخذ المصنف قوله في الترجمة «عند الناس» من قوله في بعض طرق الحديث «فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك» وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا.
وفيه جواز الاختلاط، وجواز الخلوة بالمرأة عند الناس، وكل خلوة تنتفي فيها التهمة لا يتحقق فيها النهي على الصحيح، وإنما المحرم منها ما تحققت فيه التهمة فقط.)
قلت: والكلام على هذا من وجوه:
الوجه الأول: قال الله تعالى عن سبيل أهل الزيع: (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) (النور:49) ففي كثير من المواطن السابقة لم ينقل الغامدي كلام الحافظ ابن حجر ولا غيره من العلماء عن تلك الأحاديث لأنها تخالف قوله! ولم ينقل من كلامه إلا ما توهم موافقته لهواه! وإلا فالحافظ ابن حجر قد ذكر في شرحه للحديث ما يقيد الأمر بالرسول صلى الله عليه وسلم بمن كمل صلاحه ولم يطلقه لعموم الناس كما صنع الغامدي، فقال الحافظ رحمه الله في "فتح الباري"(9 / 333): وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة، ولكن الأمر كما قالت عائشة وأيكم يملك إربه كما كان صلى الله عليه و سلم يملك إربه، انتهى.
فتأمل هذا.
روى الخرائطي في "مكارم الأخلاق" بإسناد فيه ضعف عن عمرو بن دينار عن موسى بن خلف: أن عمر بن الخطاب مر برجل يكلم امرأة على ظهر الطريق فعلاه بالدرة، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين إنها امرأتي، قال: فهلا حيث لا يراك الناس.
فما أحوج أرباب الاختلاط لدِرةٍ كدِرة عمر رضي الله عنه.
ثم هذا الحديث ينقض قوله ولا ينصره، ويبينه:
الوجه الثاني: وهو أنه لو جاز اختلاط المرأة بالرجال لما احتاجت إلى الانفراد بالنبي صلى الله عليه وسلم عن غيره من الناس، ولزاحمت الرجال وهمست في أذن الرسول صلى الله عليه وسلم بأمرها.
وجاء في رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يا أم فلان اجلسي في أي نواحي السكك شئت أجلس إليك) فلو جاز اختلاطها بالرجال لما تنحى بها في من الطريق إلى جنبات السكك.
والوجه الثالث: قول الغامدي: (والمحرم منها ما تحققت فيه التهمة فقط) قول فاسد، بل الأمر في هذا الظن معمول به فيه، سداً للذريعة، وحسماً لمادة الشر، وعامة الأمور المنهي عنه قبل الفعل على هذا الأصل في نظائر عدة من أبواب الشرع، إذا تبين هذا فربط الأمر (بتحقق التهمة) إنما جاء به لنفي التهمة عن كثير من صور الاختلاط الواقعة والمأمولة! بدعوى أن التهمة غير متحققة، وهذا من أخبث المكر وأفسده.
والنبي صلى الله عليه وسلم في القصة المذكورة لم يكن في خلوة مع المرأة، وكل خلوة محرمة سواء تحققت التهمة أم كانت ظنية، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَلا لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إِلا كانَ ثالثَهُمَا الشيطانُ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.
الدليل الرابع عشر: قال الغامدي: (وعن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها).
قلت: وهذا فاسد من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا خارج عن موطن البحث، وليس هو من الاختلاط الذي يمنعه العلماء، لكمال حجاب عائشة رضي الله عنها، وارتفاع الخلوة.
الوجه الثاني: النقض عليه بكلام الحافظ ابن حجر –وهو ينقل رأيه فيما يوافق هواه ويهمله فيما لا يوافق هواه- حيث قال (9/286) رحمه الله تعالى عن معنى دخول صفوان رضي الله عنه: لا يلزم من الدخول رفع الحجاب فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب، انتهى.
الوجه الثالث: أن هذا ينقض أصله المزعوم، ويثبت أن الأصل منع الاختلاط، إذ لو كان أصله الجواز، لكان من كمال براءة عائشة وصدقها الإذن بدخوله عليها بدون محرم، فهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صاحبه عليهم رضوان الله، وهم أبعد الناس عن الريبة، ومع ذلك لم يكن هذا من شأنهم ولا من عاداتهم، مهما كان مبلغ الصلاح بين الطرفين.
الدليل الخامس عشر: قال الغامدي: (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد برأها من ذلك). ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان).
قلت: أخرجه مسلم والنسائي وابن حبان، وفيه جواز الاختلاط، كما يفيده الحديث، والمغيبة هي ذات الزوج التي غاب عنها زوجها).
قلت: وهذا الاستدلال فاسد أيضاً لوجوه:
الوجه الأول: في الخبر دليل على أن الأصل منع الاختلاط، وذلك لكراهة أبي بكر الصديق لذلك، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له، وإنما خفف عنه ببراءة أهله من الرذيلة.
الوجه الثاني: أن النبي أذن بدخول الرجل بيت من غاب زوجها مع رجلٍ أو اثنين، دفعاً للخلوة، ولا يلزم من ذلك كله حصول الاختلاط، إذ قد تقوم صاحبة البيت بخدمة الداخلين ومخاطبتهم من وراء حجاب، وبقدر الحاجة، فليست مطالب الرجال ذلك الحين، مجرد الدخول على النساء، وإنما مطلبهم الدخول لحاجة من طعام وشراب وضيافة ونحوه، وبيت أبي بكر الصديق من كرام بيوت الصحابة رضي الله عنهم، فإن كان كذلك، فالقصد ليس لقاء أهل أبي بكر، وإنما كسب ضيافتهم، والله أعلم(7).
ثم تأمل أخي القارئ الكريم تكرار قول الغامدي: (وفيه جواز الاختلاط) وكيف رجع إلى استخدام هذا اللفظ، مع قوله بأنه بدعة!
الدليل السادس عشر: قال الغامدي: (وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه جواز دخول الرجل على المرأة في غير تهمة، وفيه جواز فلي المرأة رأس الرجل، ونحوه القص والحلق.
وقصة أم حرام هذه وقعت بعد نزول الحجاب، وبعد حجة الوداع كما حكاه ابن حجر في الفتح في شرح كتاب الاستئذان، وقد أشكل توجيهها على البعض فقال ابن عبدالبر: أظن أن أم حرام قد أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة.
قلت: لم يذكر ابن عبدالبر لذلك دليلا إلا قوله أظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، وليس له في ذلك مستند يعتمد عليه، فإن أمهات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار البتة، وأم حرام من خؤولة النبي صلى الله عليه وسلم وهي خؤولة لا تثبت بها محرمية، فإنها من بني النجار، يجتمع نسبها مع أم عبدالمطلب جدة النبي صلى الله عليه وسلم في عامر بن غنم جدهما الأعلى.
فأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
وأم عبدالمطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن حراش بن عامر بن غنم المذكور.
أفاد ذلك ابن حجر نقلا عن الدمياطي (انظر فتح الباري 11/80، فإن الشرح هناك مستوفى).
ومن زعم أن ذلك من خصوصياته عليه السلام، فقد تحكم بغير برهان فإن الخصوصية حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، والأصل مشروعية التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ولا يترفع عن التأسي بأفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا متهوك ضال.
والصواب أن فلي المرأة رأس الرجل من الأمور الجائزة ونحوه القص والحلق، فالحديث يفيد جواز ه وجواز الاختلاط.)
قلت: والكلام على هذا الدليل من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا –رغم أنف الغامدي- متأول بأحد أمرين:
الأمر الأول: أن يكون من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم نقله من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، وجعل هذا من خصوصياته لم يكن بمحض التخرص بل بمسلك عظيم من مسالك الأدلة أعرض عنه الغامدي وهو (الجمع بين نصوص الشارع بما يوافق مقاصد الشريعة) فالأدلة على منع مباشرة المرأة لغير محرمها كثيرة مستفيضة، وهذا الخبر ونظائره ظاهره معارضة تلك الأخبار المشهورة من النهي عن مس المرأة، وشم طيبها، والنظر إليها، والخلوة بها، والخضوع بالقول لها، ونحو ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم) ونحو ذلك من الأحاديث.
فتحتم أن يحمل هذا على كونه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
والأمر الثاني: أن تكون أم حرام من محارم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس ببعيد، وقد قال النووي في "شرح مسلم"(13/57): اتفق العلماء على أنها كانت محرما له.
فهذا يغنينا عن مشاغبة الغامدي وتضليله.
ونقل الحافظ ابن عبدالبر في "التمهيد" (1/226) عن يحيى بن إبراهيم بن مزين أنه قال: إنما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي أم حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار.
ونقل عن يونس بن عبدالأعلى أنه قال: قال لنا ابن وهب: حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلهذا كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه.
ولهذا قال الحافظ ابن عبدالبر قبل ذلك: وأظنها أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أم سليم أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصلت أم حرام خالة له من الرضاعة فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها وكذلك كان ينام عند أم سليم وتنال منه ما يجوز لذي المحرم أن يناله من محارمه، انتهى.
وهذا ليس ببعيد إعمالاً لجميع النصوص، ولكثرة وقوع مثل هذا مع هاتين المرأتين رضي الله عنهما، والله أعلم.
الوجه الثاني: أن هذا محمول على قبل نزول الحجاب، كما قاله ابن بطال والدمياطي وغيرهما، نقل هذا كله الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/78-79).
الوجه الثالث: انتصر له الدمياطي فيما ذكره عنه الحافظ ابن حجر، أن هذا كان بغير خلوة، لاحتمال وجود خادم أو ابن ونحوه، وهذا غير متيقن، إضافة إلى إنه عند الخصم لم يرفع كلّ الإشكال، وإنما حقق نفي الخلوة، ولم يحقق نفي الاختلاط مع غير المحارم، إضافة إلى إشكال فلي الرأس، وحتمية مس أحدهما للآخر، فكلّ هذا يقوي ما تقدم من حمل الخبر إما على الخصوصية أو على المحرمية أو على ما قبل نزول الحجاب، والله أعلم.
الدليل السابع عشر: قال الغامدي: (وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء، فقال: (أحججت)؟ قلت: نعم، قال: (بما أهللت)؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أحسنت، انطلق، فطف بالبيت وبالصفا والمروة). ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس، ففلت رأسي، ثم أهللت بالحج... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وهذا الفعل من أبي موسى يشعر بأن ذلك أمر لم يكن يستخفى به، بل حدث به دون نكير وفعل أبي موسى رضي الله عنه وفهمه يعضد ما تقدم من الرد على من زعم خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.)
قلت: وهذا استدلال فاسد بدلالة أن المرأة من محارمه لقوله: من بني قيس، فكأنها من عماته، أو من بنات إخوانه، ولهذا قال الحافظ النووي في "شرح مسلم"(8/199): هذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرماً له.
ومثل ذلك قاله الكرماني وغيره.
الدليل الثامن عشر: قال الغامدي: (وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئا) ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة، أريد أن أجزيها، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلقت ورجعت، فبايعها.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما يشير لمشروعية مصافحة النساء من قولها «فقبضت امرأة يدها» ولا صارف يصرف النص عن ظاهره فضلا عما يشهد له من النصوص الأخرى، فحديث أم عطية رضي الله عنها يفيد جواز ما هو أكثر من الاختلاط وهي المصافحة.
وهذا لا يعارضه ما روته عائشة رضي الله عنها بقولها «ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها»؛ فإن ذلك لا يؤخذ منه تحريم المصافحة؛ لأنه ليس فيه إلا إخبار عائشة رضي الله عنها عما رأته وليس فيه نهي ولا نفي لما لم تره، وقد روى ما يدل على مشروعية مصافحة المرأة غير عائشة رضي الله عنها، ويشهد لصحة معناه أحاديث أخرى.
وروي بنحوه عن فاطمة بنت عتبة رضي الله عنها ولفظه (فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها).
أخرجه الحاكم وصححه الذهبي وحسن إسناده الألباني. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.
قلت: أخرجه البخاري تعليقا وإسناده صحيح وليس بين الأمة والحرة فرق في ذلك ففيه جواز ما هو أكثر من الاختلاط كالمصافحة ونحوها.)
قلت: هذا كلام لم اتبع هواه وأضله الله على علم، وهو فاسد من وجوه:
الوجه الأول: أخذ الغامدي من قولها في الحديث: (فقبضت امرأة يدها) أي كفت يدها عن المبايعة حتى يتحقق شرطها، فدل على أن الأخريات بايعن بالمصافحة! وليس هذا في الحديث لا بصريح العبارة ولا بمدلول الإشارة، وغاية ما فيه (مدّ اليد) تمييزاً للمعاهدة، وشعاراً لثبوتها، وقد كان النساء داخل البيت والنبي صلى الله عليه وسلم خارجه، وجاء أن البيعة بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بدون واسطة، وجاء بواسطة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الوجه الثاني: أن عائشة رضي الله عنها أخبرت عن شأن رسول الله خلال البيعة، وأنه بايع يدون مصافحة، كما روى البخاري ومسلم عنها رضي الله عنها أنه قالت: (والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما بايعهن إلا بقوله). وقولها يؤخذ على إطلاقه ما لم يرد الدليل المثبت لخلافه، فيقال بعد ذلك إنما حكت ما رأت.
بل أين الغامدي عن صاحب الشأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يخبر عن نفسه فيقول: (إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة) ؟ وقد رواه الإمام مالك في الموطأ والإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (12/243) : في قوله: (إني لا أصافح النساء) دليل على أنه لا يجوز لرجل أن يباشر امرأة لا تحل له، ولا يمسها بيده، ولا يصافحها، انتهى.
كيف والأدلة الشرعية تنصر المنع من المصافحة؟ فقد روى الطبراني وغيره بإسناد جيد من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
وقد أمر الله تعالى بغض النظر، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور:30) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والملامسة أبلغ من النظر(8).
الوجه الثالث: استدلال الغامدي بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عندما قال: (كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت). فقال الغامدي في تهوره: (وليس بين الأمة والحرة فرق في ذلك ففيه جواز ما هو أكثر من الاختلاط كالمصافحة ونحوها) .
قلت: هذا باطل من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحديث أصلاً في الجارية الصغيرة، كما جاء في لفظ عند الإمام أحمد: (إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة) وهذا من أبلغ التواضع، ولو كانت امرأة كبيرة لم يكن فيه من التواضع شيء.
الجهة الثانية: أن ذكر الأمة إنما هو لعظم تواضعه صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10 / 490): وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع لذكره المرأة دون الرجل والأمة دون الحرة وحيث عمم بلفظ الإماء أي أمة كانت وبقوله حيث شاءت أي من الأمكنة والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك وهذا دال على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر صلى الله عليه و سلم، انتهى.
فقول الغامدي بأنه لا فرق بين الأمة والحرة! إن أراد الصغيرة في هذا المقام، فنعم؛ فكل ذلك من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، أما إن أراد في عموم أحكام الشرع، فهذا غيٌّ وضلال، حيث فرَّق الشارع بين حكم الحرة والمملوكة في كثيرٍ من أحكام الشرع سواء في دعائمه العظام أم في فروع المسائل الشرعية، وهذا أمر مشهور مقرر لا حاجة إلى سياق الإثبات عليه.
وليتأمل مبلغ خطأ الناتج المبني على خطأ الفهم كيف أباح للغامدي أن يبيح ما هو أخطر من مجرد الاختلاط، فأباح المصافحة و(نحوها) ولا يدرى ماذا يُدخل في نيته تحت هذا المنحى؟ غير أنه يُدرى أن الجهل إذا تلاقح مع الهوى ولدا العجائب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الدليل التاسع عشر والأخير: قال الغامدي: (وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: تزوجني الزبير، وما له من الأرض من مال ولا مملوك... الحديث بطوله، وفيه، قالت: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم.
وفي لفظ آخر (... فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال «إخ إخ» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه، وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز إرداف المرأة وهو يفيد جواز ما هو أكثر من الاختلاط كالإرداف والمصافحة ونحوها وهو على ملأ من الصحابة ولم يخصص نفسه عليه السلام بذلك.).
قلت: وهذا فهم سقيم من وجوه:
الأول: أن هذا خارج عن محل النزاع كما تقدم إيراده مراراً، فهو وإن حصل من امرأة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل عندك دليل على (إرداف مجموع) النساء مع غير محارمهن!
وهل يرضى الغيورون أن تركب زوجاتهم مع غيرهم، وهم يُركبون أزواج غيرهم معهم؟
هذا لا يقوله غيور بله مسلم عاقل تقي.
الوجه الثاني: أن الحديث فيه دليل على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم من قولها: (فاستحييت أن أسير مع الرجال) ولم تقل: (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولهذا قال الزبير: (والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه) فعظّم حملها للنوى، وتميزها بشيء أمام الرجال وما فيه من توهم خسة النفس وقلة الغيرة، ولم يعظّم ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يقوي حمله على الخصوصية.
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ له فعلها، وحياءها من الرجال، فدل على أن هذا هو الأصل، وهو حياء النساء من مخالطة الرجال، وأن هذا هو المحمود الموافق للحياء الذي لا يأتي إلا بخير.
الوجه الرابع: أن قولها: (فأناخ لأركب معه) أو(خلفه) له محمل لا يلزم منه (الإرداف على الراحلة) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 / 323): كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه و سلم أراد أن يركبها وما معها ويركب هو شيئا آخر غير ذلك، انتهى.
الوجه الخامس: أن خروج أسماء وتعرضها لمثل هذا الموقف كان للضرورة، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 / 324): والذي يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت في حال ضرورة كما تقدم فلا يطرد الحكم في غيرها ممن لم يكن في مثل حالهم، انتهى.
فكيف يقاس على هذه القضية الفردية الضرورية خروج النساء إلى الحدائق والمنتزهات، والمدارس والجامعات مختلطات بالرجال؟
هذه أدلة الغامدي، وتبين أن جملة ما استدل به لا يدل على إباحة (الاختلاط) الممنوع عند العلماء، وأنه عمد إلى أدلة فردية في قضايا عينية فجعلها أصلاً عاماً كلياً يباح به فعل جموع الناس كفعل تلك المفردات!
كما تبين أنه ضرب بكلام أهل العلم عرض الحائط من المتقدمين والمتأخرين، ولم يأخذ من قولهم إلا (ما توهم) أنه يوافق قوله، وهذا من أقبح الهوى، وقلة الأمانة العلمية، والله المستعان.

فصل
في مناقشة ما ردّه الغامدي من أدلة المانعين
 

بعدما فرغ الغامدي من ذكر أدلته التي زعم تحقيقها لمبدأ جواز اختلاط الرجال بالنساء في المرافق العامة والخاصة! أورد في (مقاله الصحفي) أدلة المخالفين له! وكأن المخالفين له من شرار الخلق، وأهل الضلال! فيا ليته على وجه القسمة المرضية، والعدل في القضية ينزل لنا في الأسبوع المقبل بطرح واسع مثله في نقض مذهب (الرافضة) و(الصوفية) و(الجهمية) و(الليبرالية) فيورد أدلة أهل السنة ويؤيدها، ثم يورد أدلة أهل الضلالة ويفندها، ولكنّ:

لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

فهو وأمثاله –من المخذولين- هلكوا تحت محبة الظهور والشهرة مع أقرب طريق، بإظهار الموافقة لأهواء أرباب الإعلام المنحرف، حتى يشهروا ذكره عبر صفحات الصحف، وتتناقل قنوات الفساد قوله فتنة للعالمين!
ولكن أبى الله تعالى إلا أن يذل من ابتغى العزة بغير الله ودينه، فيكون ارتفاعه ارتفاع الدخان الذي ما يلبث إلا ويتبدد ويفترق ويزول! كأممٍ من أهل الضلال والانحراف الذين غابوا في زبالة التاريخ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدُخان:29) .
وحان الآن الوقوف مع الأدلة التي زعم الغامدي فساد الاستدلال بها، فأقول:
الدليل الأول: قال الغامدي: (ما رواه ابن جريج أخبرنا عطاء ــ إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ــ قال: كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: عنك، وأبت، فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمنا حتى يدخلن، وأخرج الرجال... الحديث.
قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه بقوله «باب طواف النساء مع الرجال»، فطواف النساء مع الرجال قد أقره عليه السلام، وعليه عمل السلف، ولو كان الاختلاط محرما لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين طافوا معه بالبيت الحرام نساء ورجالا أحق الناس بامتثال ذلك، ولا يزايد على تقواهم إلا ضال.
أما قول عطاء: (لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم) فإن ذلك لا يعني نفي مطلق الاختلاط، كما قد يغالط به العوام وأشباههم، وإنما معناه لم يكن أزواجه عليه السلام يزاحمن الرجال؛ فإن المزاحمة لا تجوز، وإنما تسمى اختلاطا تجوزا في العبارة، وقد كن يطفن حجرة عن الرجال أي ناحية عنهم فالاختلاط عموما واقع في الطواف، ولذلك بوب عليه البخاري بقوله «باب طواف النساء مع الرجال» استنباطا من ذلك الحديث، ويصحح ذلك الاستنباط ما جاء في أول الحديث من إثبات طواف الرجال مع النساء بقوله: (كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟). وعلى هذا فغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى، ولذلك لم تنكر عائشة رضي الله عنها على من قالت لها (انطلقي نستلم) وتركتها وما أرادت.
قال الحافظ ابن حجر قوله: (حجرة) بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها راء أي ناحية، قلت: أما قوله (إذا دخلن البيت) فالمراد بالبيت الكعبة فإنه كان يخرج الرجال حينذاك ليتيسر للنساء الصلاة فيها بغير مزاحمة).
قلت: وهذا تعقيب فاسد، ومن استدل به على منع الاختلاط بين الجنسين هو الأولى بالصواب، فاللفظ واضح لا يحتاج إلى تهوك الغامدي وتنطعه! فعطاء نفي المخالطة وقال: (قال: لم يكن يخالطن الرجال) وهذا كلام يفهم منه العوام وأشباههم نفي تداخل جموع النساء مع جموع الرجال، وخاب وخسر من العوام وأشباههم أصح منه فهما وهو يدعي العلم والمعرفة.
وكيف وهذا الفهم هو فهم العلماء الأتقياء صدقاً وعدلا؟ كما سيأتي.
فإن مراده جزما: هو تداخل جمع النساء مع جمع الرجال، فلما اجتهد ابن هشام وجعل طواف النساء في غير وقت طواف الرجال، أخبر عطاءٌ أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم –وهنّ قدوة نساء العالمين- كنّ يطفن مع الرجال في (معزلٍ) عنهم.
قال العيني عند قوله: (وقد طاف نساء النبي مع الرجال) يعني طفن في وقت واحد غير مختلطات بالرجال لأن سنتهن أن يطفن ويصلين من وراء الرجال، انتهى.
وقول الغامدي: (فإن المزاحمة لا تجوز، وإنما تسمى اختلاطا تجوزا في العبارة) يدل على مبلغ فهم الرجل وفقهه، بل وأمانته! فها هو أثبت مسمى الاختلاط هنا، وقد أنكره من قبل بشدة، فنقض ما كان أثبت (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل:92) والمزاحمة معنى أبلغ من معنى الاختلاط، وحمل الغامدي الاختلاط على المزاحمة تحكم لا دليل عليه، ويخالف أصله في التشبث بظواهر الألفاظ في أدلته والبعد عن غور معانيها!
ولو أراد عطاء وابن جريج المزاحمة لتكلموا بها ولم يذكروا الاختلاط.
كيف وعطاء جعل (الاختلاط) مقابل معنى (الحُجرة!) وقال: (كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم).
قال العيني في معنى قوله: (حجرة): ناحية من الناس معتزلة.
ولم يكمل الغامدي كلام ابن حجر في تفسير معنى (الحجرة) وفيه مزيد بيان حيث قال (3/481): قال القزاز هو مأخوذ من قولهم: نزل فلان حُجرة من الناس، أي معتزلاً، وفي رواية الكشميهني : (حُجزة) بالزاي، وهي رواية عبد الرزاق، فإنه فسره في آخره، فقال: يعني محجوزاً بينها وبين الرجال بثوب، انتهى.
ومن ذلك الحاجز، فدل ذلك على أن النساء كنّ من وراء الرجال لا بينهم كما يزعمه الغامدي.
وتأمل قول الغامدي: (وقد كن يطفن حجرة عن الرجال أي ناحية عنهم) وما فيه من إثبات نفي الاختلاط المذموم، وهذا هو المطلوب! حيث قال: (في ناحية عنهم) وهو لا ينقض معنى (المعية) فهنّ معهم وإن كنّ من وراء الطائفين أو في (حجرة) عنهم، وبهذا لا يخالف قول عطاء والبخاري وغيره بأن النساء كنّ يطفن مع الرجال.
قال العيني في شرح قول البخاري في الترجمة: (باب طواف النساء مع الرجال): أي هذا باب في بيان حكم طواف النساء مع الرجال هل يختلطن بالرجال أو يطفن معهم على حدة من غير اختلاط بهم أو ينفردن.
وقال الحافظ ابن حجر: أي هل يختلطن بهم أو يطفن معهم على حدة بغير اختلاط أو ينفردن.
وقول الغامدي: (لم تنكر عائشة رضي الله عنها على من قالت لها (انطلقي نستلم) وتركتها وما أرادت) غير مقبول، أما عائشة فقد حققت معنى ترك (الاختلاط) فلم تدخل بين الرجال لاستلام الحجر!
وأما من كانت معها فقد زعم الغامدي أن عائشة (تركتها وما أرادت!) وهذا غير وارد، وإنما من زياداته! بينما الوارد أن عائشة (جذبتها) كما عند عبدالرزاق وغيره، وقولها: (انطلقي عنكِ) أي عن نفسك، أي: اتركي الاستلام عنك، قاله صاحب "مطالب أولي النهى" (2/394).
ثم ليتأمل القارئ في قول عطاء: (فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال) وكيف أن عائشة رضي الله عنها ونساء النبي صلى الله عليه وسلم كنّ يطفن بالليل، وخفاء الناس بعضهم عن بعض، وهذا أبلغ في طلب الستر، والبعد عن رؤية الرجال للنساء.
فرضي الله عنهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن في عبادة وفي جنح الظلام، فكيف بمن تخرج في وضح النهار، وفي مجامع الرجال، في غير مصلحة دينية، ولا ضرورة دنيوية؟!
الدليل الثاني: قال الغامدي: (وعن ‏أم سلمة رضي الله عنها ‏زوج النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏قالت شكوت إلى رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أني أشتكي، فقال: ‏طوفي من وراء الناس وأنت راكبة.
قلت: أخرجه البخاري وليس فيه إلا إرشادها لما كانت شاكية أي مريضة أن تطوف راكبة من وراء الناس؛ لئلا تؤذيهم بدابتها، وهذا يشير إلى جواز الطواف مع الرجال لو لم تكن راكبة على الدابة).
قلت: قوله: (وهذا يشير إلى جواز الطواف مع الرجال لو لم تكن راكبة على الدابة) غير مسلّم، فالنبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير بين الناس كما هو ثابت مشهور، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تطوف من وراء الناس لأن الناس كانوا في صلاة، ولهذا قالت: (فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ بـ: الطور وكتاب مسطور).
وجاء في رواية في غير الصحيح عند النسائي وغيره: (طوفي من وراء المصلين).
فلو لم يكن الناس في صلاة لكان طوافها مع النساء من وراء الرجال.
الدليل الثالث: قال الغامدي: (وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم، قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيرا قبل أن يقوم. قال ابن شهاب: فنرى ــ والله أعلم ــ لكي ينفذ من ينصرف من النساء قلت: أخرجه البخاري وغيره وهو لا يفيد تحريم الاختلاط بل الاختلاط واقع فيه، وإنما يفيد الأخذ بالاحتياط؛ لمنع مزاحمة الرجال للنساء.).
قلت: قوله: (لا يفيد تحريم الاختلاط بل الاختلاط واقع فيه)غير مقبول، فالاختلاط غير واقع، وكيف يقع؟ والرجال في الأمام، والنساء خلف الرجال؟ والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تأخر لكي لا يختلط الرجال بالنساء كما جاء في لفظ: (لكي ينصرفَ النساءُ قبل أن يدرِكهنَّ الرجالُ).
وهذا واضح في طلب الفصل بين الجنسين، وترك الاختلاط، ودعوى الغامدي أن هذا (احتياط) لدفع (المزاحمة) قول ممجوج يدل على غلبة الهوى! ولا دليل عليه، كيف وتفسير الزهري وغيره إنما جاء مجردا لكونهن نساء لا للخوف عليهن من الزحام، مع أن دعوى الزحام مدفوع بكثرة أبواب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كيف وقد روى الإمام أبو داود في باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال من حديث ابن عمر رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركنا هذا الباب للنساء).
فهذا كله يدل على أن موجب تأخر النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو للسبب الذي ذكره الزهري وهو (انصراف النساء قبل أن يدركهن القوم).
قال النووي في "المجموع" (3 / 490): لأن الاختلاط بهن مظنة الفساد.
وقال ابن قدامة في "المغني"(1/632): لأن الإخلال به من أحد الفريقين يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة" (1 /360): وكان إذا سلم لبث هنيهة هو والرجال لينصرف النساء أولا لئلا يختلط الرجال والنساء.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(2 / 336) : وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضى إلى المحذور وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت، انتهى.
الدليل الرابع: قال الغامدي: (كما استدل بعض من منع الاختلاط بحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها).
قلت: أخرجه أبو يعلى وإسناده صحيح وليس فيه ما يدل على تحريم الاختلاط، بل الاختلاط واقع فيه كما ترى، وليس فيه أكثر من حث الرجال على الصف الأول، وإرشاد النساء بالتباعد عن صفوف الرجال، تجنبا لأسباب الفتنة بين الجنسين في الصلاة، فضلا عما في الوقوف بين يدي الله في الصلاة من لزوم التخلي عما قد يقطع المصلي عن الخشوع وهذا ما تفيده لفظة (خير) ولا تفيد تحريم الاختلاط، كما زعم من احتج بهذا على المنع.
والشر هنا نسبي فإن الصلاة خير كلها للرجال والنساء فإنهم بلا شك مأجورون في الصلاة كلهم وليس منهم آثم.)
قلت: قوله: (وليس فيه ما يدل على تحريم الاختلاط، بل الاختلاط واقع فيه كما ترى) قول باطل، بل هو صريح في الفصل بين الجنسين، ولا اختلاط بينهما، بل فيه المبالغة في أفضلية بعد الرجال عن النساء، فكلما ابتعد مكان المرأة عن الرجال كلما كان أفضل في حقها.
ووجود الرجال والنساء كلّ من الجنسين على حده لا يُعد اختلاطاً كما زعم الغامدي، بل هذا هو المطلوب، وكلما زِيد في صور الفصل كلما كان أولى وأفضل، وليس هذا تنطعاً ولا غلوا كما يزعمه الغامدي، ولهذا فضلت صلاة المرأة عن صلاتها في المسجد بصريح السنة النبوية.
اضغط هنا للاشتراك بتطبيق كل يوم حكمة


وبقية كلامه عن تفسير الخيرية لا يعنينا في هذا المقام مع ما فيه من موجبات الاستدراك.
الدليل الخامس: قال الغامدي: (واحتجوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي الرجل بين المرأتين.
قلت: أخرجه البيهقي وإسناده ضعيف جدا فيه داود ابن أبي صالح الليثي وهو منكر الحديث).
قلت: عزو الغامدي الحديث إلى البيهقي لا يجاوز أن يكون جهلاً منه وتقصيراً أو تضليلاً وهوى! وذلك لأن الحديث رواه أبو داود في "سننه"(4/543)(5275) قال: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن داود بن أبي صالح المزنى عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يمشى - يعنى الرجل - بين المرأتين).
ورواه من طريقه الرافعي في أخبار قزوين (2/135) والحاكم في المستدرك (4/312) وقال: صحيح الإسناد،والبيهقي في "شعب الإيمان" (ح5446) والبخاري في "تاريخه" (1/2/83) وأبو بكر الخلال في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ح94) والعقيلي في الضعفاء (2/33) وابن عدي في الكامل (3/87) كلهم من حديث داود بن أبي صالح به.
ولا يعرف هذا الحديث إلا به، وهو حديث منكر من حيث الصناعة الحديثية، غير أن معناه موافق لأصول الشرع، ولهذا رواه أبو داود في "سننه" وعمل به الإمام أحمد كما روى الخلال في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" عقب ذكره مباشرة عن ابن هانئ قال: رأيت أبا عبد الله إذا لقي امرأتين في الطريق وكان طريقه بينهما وقف ولم يمر حتى يجوزا .
فمعناه صحيح، والنكارة في انفراد راويه به لا في معناه.
الدليل السادس: قال الغامدي: (واحتجوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس للنساء وسط الطريق).
قلت: أخرجه ابن حبان وإسناده ضعيف جدا، فيه شريك بن عبدالله بن أبي نمر سيئ الحفظ، وفيه مسلم بن خالد الزنجي قال البخاري فيه: منكر الحديث، ذاهب الحديث).
قلت: مسلم بن خالد، وشريك بن عبدالله حديثهما مقبول في المتابعات، وهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفاً من هذه الطريق، ولكنه بمجموعه مع حديث أبي أسيد الأنصاري وابن عمر وغيرهما مما ذكره الغامدي كلها ترتقي به إلى درجة الحسن والاحتجاج به، وقد صححه ابن حبان، وحسنه الألباني.
الدليل السابع: قال الغامدي: (واحتجوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو تركنا هذا الباب للنساء). قال نافع: فلم يدخل ابن عمر حتى مات.
قلت: أخرجه أبو داود وغيره واختلف فيه رفعا ووقفا والصحيح وقفه على عمر فليس هو من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان اجتهادا من عمر رضي الله عنه وليس في تخصيص باب للنساء للخروج والدخول منه، ما يدل على تحريم الاختلاط بل الاختلاط واقع في المسجد كما ترى.).
قلت: الحديث إسناده صحيح موصولاً، وقد صوّب الدارقطني وقفه كما في "العلل" (13/31) والذي رفعه أيوب السختياني، وهو من الأئمة الثقات، فالقول بقبول رفعه للخبر قوي، ويزيده قوة التزام ابن عمر رضي الله عنه عدم الدخول من ذلك الباب، وهذا -عادةً- يكون من تمسك ابن عمر بالسنة.
وحتى مع القول بوقف الخبر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأكرم وأنعم، خليفة رسول الله، وصاحبه، والمحدَّث الملهم، وقد أُمرنا باتباع سنته، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين.
وقول الغامدي: (وليس في تخصيص باب للنساء للخروج والدخول منه، ما يدل على تحريم الاختلاط بل الاختلاط واقع في المسجد كما ترى) همط من القول، لا مستند له، بل هو صريح في طلب المفارقة، ودفع الاختلاط، واجتماع الجنسين في المسجد لا يدل على الاختلاط بالمعنى الذي يقرره الغامدي، لأن الرجال في معزل عن النساء، وللنساء باب يخرجن منه لا يشاركهن فيه الرجال، وينصرفن قبلهم، ولا يرفعن رؤوسهن قبل الرجال، كلّ ذلك واضح لمن أنصف وعدل على طلب الفصل، ودفع الاختلاط.
الدليل الثامن: قال الغامدي: (واحتجوا في منع جواز نظر المرأة للرجل الأجنبي بحديث نبهان مولى أم سلمة أن أم سلمة رضي الله عنها حدثته: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتجبا منه) فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه).
قلت: أخرجه الترمذي والطحاوي والطبراني في الكبير وإسناده ضعيف لجهالة نبهان مولى أم سلمة قد ضعفه الألباني أيضا، والصحيح الثابت المعارض له هو المحفوظ).
قلت: هذا الحديث مع ضعفه لا يدل على نفي الاختلاط ولا إثباته، وغاية ما فيه المنع من نظر المرأة إلى غير المحارم، وهذا يغني عنه عموم قول الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور:31) .
الدليل التاسع: قال الغامدي: (واحتجوا في منع جواز المصافحة بحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له).
قلت: أخرجه الطبراني والروياني واختلف فيه رفعا ووقفا والموقوف أرجح إلا أنه ليس مما له حكم الرفع وإسناد المرفوع ضعيف لضعف شداد بن سعيد وتفرده به).
قلت: بل الحديث صحيح، وقد صححه المنذري في "الترغيب" وابن حجر الهيتمي في "الزواجر" وغيرهم، وإطلاق الغامدي الضعف على شداد بن سعيد تهور بيّن، فأكثر النقاد على توثيقه، وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة والنسائي وابن حبان والبزار، وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا وأرجو انه لا بأس به، وروى له الإمام مسلم، فهو ثقة.
الدليل العاشر: قال الغامدي: (واحتجوا بحديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلنا يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف قال: فيما استطعتن وأطقتن، قالت فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله: (إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة).
قلت أخرجه أحمد والحاكم وأصحاب السنن وإسناده ضعيف تفرد محمد بن المنكدر به، وهو كثير الإرسال روى عن كثير من الصحابة، وهو لم يلقهم أو يسمع منهم، ولم يتابعه عليه أحد، وأميمة لم يروى لها إلا هذا الحديث وفي معناه نكارة فضلا عن مخالفته لما صح.
أما النكارة ففي قوله «فيما استطعتن وأطقتن» فقيده بالطاقة مع تضمنه أعظم المنهيات وهو الشرك وترك الشرك لا يحتاج فيه المكلف إلا الكف عنه، ولذلك لم يرد التقييد بالطاقة في المنهيات، وإنما جاء في المأمورات. والمخالفة لما جاء في النصوص الصحيحة الدالة على خلافه).
قلت: هذا كلام جاهل بالحديث ودرايته، فمحمد بن المنكدر إمام ثقة، وقد سمع هذا الحديث من أميمة كما جاء مصرحاً به عند الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما.
وقد قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان، ويكفيه متانة أنه من أحاديث "الموطأ" أصح الكتب تحت أديم السماء، فأي تهور هذا التهور؟!
كيف والحديث يشهد له غيره من الأحاديث المرفوعة والمرسلة؟
ودعواه أنه قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما اسطعتن وأطقتن) منكر! قول باطل، وفهم سقيم، فهذا القيد إنما هو فيما قبله من قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا نعصيك في معروف) وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فهل يدخل في هذا الحديث! فيقول الغامدي بنكارته أيضاً وهو في "الصحيحين"؟
أما دعواه المخالفة فهمط من القول، ولم يأت بدليلٍ واحدٍ صريح صحيح يدل على مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، كيف وعامة الأدلة تدل على خلاف ذلك كما تقدم؟
الدليل الحادي عشر: قال الغامدي: (واحتجوا بحديث أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء المسلمين للبيعة فقالت له أسماء ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لست أصافح النساء ولكن آخذ عليهن).
قلت: أخرجه الحميدي والطبراني في الكبير وإسناده ضعيف في سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف).
قلت: بل هو حسن بذاته لأن شهر بن حوشب صدوق، كما قاله الحافظ ابن حجر، وقد حسنه الحافظ في "فتح الباري" (13/204).
كيف والحديث السابق يشهد له ويقويه؟ وفي الباب أحاديث أخرى تؤكد هذا الأصل.
ثم ذكر الغامدي أحاديث أخرى كلها ضعاف لا سبب لذكرها غير إظهار ضعف حجة المخالف، مع قوة الأحاديث الدالة على المنع من الاختلاط والمصافحة، ولكنه يستكثر من إيراد أمثال هذه الأحاديث ونقدها كي يظهر للناظر ضعف حجة المخالفين له!

فصل
في خاتمة مقال الغامدي
 

أعاد تقرير أصله الفاسد، وفهمه الخاطئ، وقرر جواز الاختلاط في الأسواق والمحال للبيع والشراء أو العمل والدراسة، والمساجد والمصليات، والطرقات، وغيرها من الأماكن.
وزعم أنه لا يوجد نص لمن قال بتحريم شيء من ذلك دون شيء في غير تهمة أو مزاحمة.
وكل هذا من التلفيق والتزوير، والقول على الله بغير علم، وليت شعري كيف يحمي الإنسان نفسه من أشد فتنة خافها علينا النبي صلى الله عليه وسلم وكلّ هذا يباح له؟
وما ضابط المزاحمة التي تعد شرطاً لمنع الاختلاط، وقد أباح الغامدي المصافحة (ونحوها!!)؟
وأي أصل مزعوم باطل يفتريه الغامدي، والأصل في نصوص الشرع التفريق بين الجنسين في مواطن عدة من أمور الدين، وهي مواطن العفة والتعبد، فكيف بأمور الدنيا التي يركز فيها الشيطان رايته؟
ولعل الناظر يلحظ في مقال الغامدي ليقف أمراً خطيراً لعله يوعظ به، وهو أن من دلائل زيغه إعراضه كلام العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة الدين، ووكل الأمر إلى فهمه واستدلاله! وهذه آفة الآفات.
بل زاد على ذلك استهجان قول أهل العلم، والتعريض بهم، والتهكم بدينهم، فتراه يقول عن المخالفين له -ومنهم من مرّ ذكره في الكتاب-: أنهم جاءوا بالـ(مد سلبي على تراثنا الفقهي) وأنهم أهل (التناقض المذموم شرعاً) و(يتعقبون ويزايدون على الشرع ويزعمون بعد ذلك أنهم آمنوا بالله!!) و(لم يقتفوا هدي المجتمع النبوي!) ووصف منعهم من الاختلاط بـ(الضجيج!!) وأنه (ليس مع المانعين دليل إلا ضعيف الإسناد، أو صحيح دلالته عليهم لا لهم) فكأن كلّ أولئك الأئمة إنما تكلموا من فراغ! وأن منهم (المتحكم بغير برهان) و(المتهوك الضال!!) وأن المانعين (يزايدون على تقوى السلف!) وأنهم (لم يميزوا أو يريدون التلبيس!) وأنهم (عوام وأشباه العوام) وأنهم (يفتاتون على الشرع!! ويبتدعون في الدين!!) وغير ذلك من العبارات التي يطلقها على الأئمة أمثال ابن قدامة وابن عبدالبر والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر وابن باز وأمثالهم رحمهم الله، فهم فريق، والغامدي ومن جاء منافحاً عن فكرهم فريق (فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنعام:81) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

image

مقال للدكتور أنمار مطاوع حول الاختلاط الدين الاسلامى

  • حكم اختلاط المرأة المسلمة

إن الاختلاط لو كان فكرة جديدة لانخدع بها كثير منا كما انخدع بها غيرنا من دول العالم شأن كل فكرة جديدة أو مشروع حديث و مع ذلك لم تكن له تلك المخرجات من التقدم و الرقي التي بشّرنا بها دعاته، بل على العكس من ذلك تماماً إذ كانت مخرجاته عقيمة، و نتائجه مريرة، و عواقبه وخيمة على مستوى الفرد و الأسرة و المجتمع. ...

653 قراءات

محتويات قسم المرأة المسلمة:

حكمة اليوم:

فيديوهات

مدوّنات التنمية الإيمانية:

مقالات و مدوّنات أخرى: